وفاة والدي في تسعينيات القرن الماضي

وفاة والدي في تسعينيات القرن الماضي

توفي والدي في تسعينيات القرن الماضي، كنت في الرابعة من عمري حينها، لا أذكر منه إلا مشاهد قليلة مبهمة، كان رجلاً بسيطا، غير متعلم وربما أمي، كان عامل بناء، كنت أول طفل ذكر له، لم يترك لي في الحياة شيئاً، سوى عائلة، وترك لي بيتاً قديماً، وأنا أعيش فيه الآن، حيث الغرفة التي أكتب منها هذه الكلمات الآن، ولدت فيها، كنت من قرية بسيطة، وفي ذلك الوقت كان بعض الأطفال يولدون في المنزل وليس في المستشفى.

تركت هذا البيت وأنا في التاسعة من عمري، بسبب مشاكل في محيط عائلتي، ولكن بعد أن تزوجت عشت حوالي سبع سنوات في بعض البيوت المستأجرة، ولكن لم أعد أستطيع تحمل التكاليف، وأيضا كل بيت عشت فيه تم طردي منه بعد فترة، لذلك قررت ترميم هذا البيت القديم والعودة إليه، والعيش فيه مع زوجتي وأولادي.

لقد مضى حوالي ثلاث سنوات وأنا أقيم في هذا البيت، في هذا البيت وهذا الحي، لدي ذكريات كثيرة عن طفولتي الصعبة والجيدة، بعد أن تركني والدي، لم يهتم بي أحد سوى أمي، وأخواتي الأكبر سناً قمن بتربيتي وتوجيهي، كنت أعتبر رجل البيت، وكان كل شيء يقع على عاتقي في إدارة هذا البيت، منذ طفولتي.

يمكنك متابعة آخر كتاباتي على الفيسبوك من هنا

ذكريات كثيرة، أغلبها سيئة.

أتساءل لو كان والدي موجودًا، هل كانت حياتي ستكون أفضل؟!، لا أؤمن بذلك، أعتقد أن وفاته جيدة بالنسبة لي، وأعتقد أن حياتي ستكون أسوأ مما هي عليه، لو كان موجودًا.. هل كان سيقبل ظروفي وطبيعتي، ولو كان موجودًا وأصبحت مريض نفسيًا كما أصبحت بدونه، هل كان سيهتم بي جيدًا؟!

في المراهقة تعرضت لانهيار نفسي، كنت أعاني من اكتئاب مزمن وعزلة، كانت أمي تقف بجانبي كثيرًا، كانت تذهب معي لحجز المواعيد في مركز الصحة النفسية، كنت أتناول أدوية ثقيلة ومزعجة من أجلها فقط، عندما بلغت الثامنة عشر من عمري، تعرضت لانهيار نفسي مرة أخرى، تخلت عني على الفور وبدأت رحلتي مع مستشفى الأمراض العقلية، أول مرة دخلت فيها المستشفى كانت عندما بلغت السن القانوني، أعتقد أن القوانين القديمة تمنع المراهقين من دخول المستشفى.

أجبرت على مرافقتي في الرعاية، من أجلها خضعت لـ 17 جلسة صعق كهربائي، ومن أجلها قبلت حقن الفصام الشهرية، التي تأخذك إلى عالم آخر طوال فترة العلاج وتحرمك من نشاطك البدني تمامًا، من أجلها.

لكنها وفرت لي حياة كريمة، وأحضرت لي كل ما طلبته، وحققت لي أمنياتي، وبكت معي واحتضنتني لتخفف عني آلامي النفسية، كانت أمًا جيدة لي طوال حياتي قبل السن القانوني، بدأت أكرهها منذ أول مرة دخلت فيها مستشفى الأمراض العقلية، وكلما تقدمت في السن، أصبحت قاسية معي، والآن تحرمني من مصروفي، وتخصص لي يومين فقط في الأسبوع للخروج، ولا تعطيني نقودًا كافية كما في السابق.

على كل حال، نعود إلى والدي، أنا أؤمن حقاً في قلبي أنه لو كان هنا، لكانت حياتي أسوأ، فهو أب مسلم وعربي، وأيضاً رجل أمي، من قرية متخلفة، مثل كل هؤلاء الرجال الآخرين، أعتقد أنه كان ليعاملني بقسوة، لأنني الرجل المفضل لديه، أنا ابنه الأول والأكبر، يريدني أن أكون رجلاً عادياً مثل الرجال، ولن يفهم ظروفي والحالة التي وضعها الله في مسار حياتي، لكنت عانيت أكثر!، لكن ربما كان ليحميني من الآخرين ويكون سنداً لي أقوي نفسي به، ولم يكن ليسمح للجميع بإيذائي، كما آذاني الجميع طوال طفولتي ومراهقتي، ربما، وربما كان ليخفف أعباء هذه الحياة التي تحملتها بدونه.

Loading

إذا كنت تحب ما أكتبه وترغب في دعم عملي، يمكنك المساهمة من هنا

أَبُو آرَامْ اَلْحَقِيقَةِ

أَنَا أَكْتُبُ اَلْحَقِيقَةُ.. أَنَا لَسْتُ مِنْ هَذَا اَلْعَالَمِ كَمَا اَلْجَمِيع.. وَأَكْثَرُ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *