سجون العقول: تاريخ مظلم للمصحات العقلية
لطالما كان المرض النفسي محاطًا بالغموض والخوف، مما دفع المجتمعات إلى عزل المصابين به في مصحات خاصة. يعود تاريخ هذه المصحات إلى قرون مضت، وخضعت لتحولات كبيرة على مر العصور، من أماكن للعقاب والتعذيب إلى مؤسسات طبية تقدم الرعاية والعلاج.
بعض العلاجات التي كانت تستخدم في الماضي في المصحات العقلية تعتبر الآن أشكالاً من التعذيب، من الحبس الانفرادي إلى الصدمات الكهربائية. كانت هذه العلاجات تهدف إلى شفاء المرضى، لكنها في الواقع كانت تسبب لهم آلاماً لا توصف. في هذه المقالة، سنكشف عن بعض الأسرار المظلمة لتاريخ المصحات العقلية، ونستكشف العلاجات القاسية التي كانت تمارس هناك، ونتعمق في بعض الجوانب المختلفة للموضوع.
في العصور الوسطى، كانت الاضطرابات العقلية تُعزى إلى قوى خارقة للطبيعة مثل الشياطين والأرواح الشريرة. وكانت تُستخدَم أساليب معاملة قاسية ووحشية، مثل الحبس في ظروف غير إنسانية، والتعذيب، والحرمان من الطعام والشراب.
يمكنك متابعة آخر كتاباتي على الفيسبوك من هنا
في العصر الحديث، ومع تطور الطب، بدأت تظهر مصحات متخصصة لعلاج الأمراض العقلية، إلا أن الظروف هناك لم تكن مختلفة كثيراً عن العصور الوسطى. كان المرضى النفسين يتعرضون للإهمال والعنف الجسدي والنفسي. وكانت أساليب العلاج السائدة هي القمع والترويض. كما كانت تُستخدم علاجات تجريبية خطيرة مثل جراحة الأعصاب والصدمات الكهربائية دون أي أساس علمي.
من بين أسباب الظروف القاسية في المصحات، الفهم المحدود للأمراض النفسية، وعدم معرفة أسبابها وعلاجها، والنظرة الاجتماعية السلبية تجاه المرضى النفسيين، مما أدى إلى عزلهم وتهميشهم، ومحدودية الموارد المالية، مما أدى إلى ضعف الرعاية الصحية للمرضى.
ومع التقدم في مجال الطب النفسي، بدأت تظهر حركات تطالب بتحسين أحوال المرضى النفسيين وتوفير الرعاية الإنسانية لهم، وبدأت تظهر علاجات أكثر فعالية وأقل ضرراً، وأغلقت العديد من المصحات التي كانت تقدم رعاية رديئة للمرضى وتحولت إلى مؤسسات صحية أكثر حداثة.
العلاجات القاسية
إن العلاجات القاسية التي كانت تمارس في المؤسسات النفسية في الماضي تشكل صفحة سوداء في تاريخ الطب النفسي، فهذه الممارسات التي كانت تعتبر علاجات في ذلك الوقت كانت في الواقع أشكالاً من التعذيب والإيذاء النفسي والجسدي.
لقد كانت هناك أشكال عديدة من العلاجات القاسية التي كانت تمارس في الماضي، مثل عزل المرضى في غرف مظلمة بمفردهم لفترات طويلة، وتقييد المرضى بالسلاسل والأغلال، واستخدام العنف الجسدي كوسيلة لمعاقبة المرضى أو محاولة ترويضهم، وإجراء جراحات دماغية تجريبية، واستخدام الصدمات الكهربائية بطريقة عشوائية وقاسية، وغمر المرضى في الماء المثلج لفترات طويلة.
وقد أدت هذه العلاجات إلى تدهور صحة المرضى نفسيا وجسديا، ووضعهم في حالة من الخوف والرعب الدائم، كما حرمت المرضى من أبسط حقوقهم الإنسانية.
حالات شهيرة
لقد تضمن تاريخ المصحات العقلية العديد من الحالات التي كان لها تأثير عميق على الرأي العام والسياسات المتعلقة بالصحة العقلية. وقد ساعدت هذه الحالات، التي كانت مأساوية في كثير من الأحيان، في تسليط الضوء على سوء معاملة المرضى النفسيين، وكشفت عن الحاجة الملحة إلى الإصلاح في نظام رعاية الصحة العقلية.
حالة روزا لوكس، الممرضة في مصحة للأمراض العقلية في الولايات المتحدة في أوائل القرن العشرين، والتي وثقت المعاملة القاسية للمرضى، وكشفت عن استخدام العنف الجسدي والنفسي والعلاجات التجريبية الخطيرة. أدت شهادتها إلى تحقيقات حكومية وإصلاحات في نظام الرعاية النفسية.
حالة إيلين شوشان، الفنانة الأمريكية التي تم تشخيصها بالفصام، والتي وثقت تجربتها في مصحة عقلية من خلال رسوماتها، والتي كشفت عن الوحدة والعزلة والمعاناة التي يعاني منها المرضى.
حالة آن سيكلر، الناشطة البريطانية التي دافعت عن حقوق المرضى النفسيين، والتي تعرضت للاحتجاز القسري في مصحة عقلية، وكتبت كتاباً عن تجربتها، أصبح مرجعاً مهماً في مجال حقوق المرضى النفسيين.
شخصيات مؤثرة
تعد المصحات العقلية من أهم المؤسسات التي شهدت تحولات جذرية عبر التاريخ، فمن أماكن للعزل والتعذيب تحولت تدريجيا إلى مراكز للرعاية والعلاج، وكان وراء هذا التحول العديد من الشخصيات المؤثرة التي ساهمت في تغيير النظرة إلى المرض النفسي وتوفير رعاية أفضل للمرضى.
يعتبر فيليب بينيل من أبرز الشخصيات التي ساهمت في إصلاح نظام الرعاية النفسية في فرنسا، فقد أزال القيود الجسدية على المرضى النفسيين، وأمر بمعاملتهم بلطف واحترام، وكان يعتقد أن الأمراض النفسية لها أسباب عضوية ويمكن علاجها.
دوروثيا ديكس، ناشطة اجتماعية أمريكية كرست حياتها لتحسين ظروف المرضى النفسيين في الولايات المتحدة. قامت بجولات في المصحات العقلية، وكشفت عن سوء معاملة المرضى، وناضلت من أجل رعاية أفضل لهم.
سيجموند فرويد، مؤسس التحليل النفسي قدم نظريات جديدة حول أسباب الأمراض النفسية، وطور أساليب علاجية جديدة مثل التحليل النفسي، وساهم فرويد في تغيير النظرة إلى الأمراض النفسية واعتبارها أمراضاً قابلة للعلاج.
إريك فروم، عالم النفس الاجتماعي الألماني أشار إلى أهمية العوامل الاجتماعية والاقتصادية في تطور الأمراض النفسية، ودعا إلى ضرورة توفير بيئة اجتماعية صحية للوقاية من الأمراض النفسية.
آرون باك، طبيب نفسي أمريكي، قام بتطوير العلاج السلوكي المعرفي، وهو أحد أكثر العلاجات فعالية للاضطرابات النفسية. ساعد باك في تغيير الطريقة التي يُنظر بها إلى العلاج النفسي، مما جعله أكثر تركيزًا على تغيير الأفكار والسلوكيات.