
في مراحلي الأولى من الفصام، عندما لم أكن على وعي كافٍ بما يحدث لي، وفي ريعان شبابي ومراهقتي، كنت أعاني من أنواع غير منطقية من جنون الارتياب، كنت أعتقد أن أحدهم يتآمر لإيذائي، وأن أحدهم يراقبني، وكان يصاحبني شعورٌ بالارتياب، كنت أشعر بأهمية كبيرة، وأن السلطات في البلاد تتآمر ضدي، مع أنني لم أكن أواجه أي مشاكل حقيقية مع السلطات آنذاك، كان الأمر كما لو أن روحًا قد زرعت هذا المرض فيّ، أي أنني واجهت نوعًا من جنون الارتياب، دون أساس حقيقي أو واقعي في كياني، كنت أعتقد أن هناك عملاء سريين بين الجيران وفي الشارع، يراقبونني، ويدبرون مؤامرات سحرية ضدي وما شابه وكذلك السلطات، حتى أنني شُخِّصت في البداية باضطراب جنون الارتياب، وعانيت منه بشدة في المراحل الأولى من مرضي.
لا أعلم كيف أصبت بهذا المرض، بطريقة فكرية لم تكن مرتبطة بي بأي شكل من الأشكال، وكأن روحًا من هذا النوع قد زرعت في داخلي. شعرتُ بشكٍّ شديد في بداية مرضي. كان هناك خوفٌ عميق، وذهولٌ مجهول، كان هناك شيءٌ غير طبيعي يحدث، وشيءٌ ما يحصرني في قفصٍ من المؤامرة والاضطهاد.
كان أحدهم يعمل على إيذائي، ويدبّر لي سحرًا شريرًا وسوءًا. غرقتُ هناك مؤقتًا، بالكاد استيقظ، بعيدًا قليلًا عن هناك، قبل أن يحدث لي كل شيءٍ غريب، قبل أن يدخل سكان العالم الروحي عقلي، وقبل أن تظهر الأصوات التي تُخاطبني، شعرتُ أن الآخرين يتحدثون عني كثيرًا.
مع تقدم هذا الغرق المُريب، بدأ كل شيءٍ يتبع إيقاع ما كنتُ غارقًا فيه، بدأت الأصوات تُخاطبني من كل جانبٍ واتجاه، وبدأت الأنوار تُضيء في كل مكانٍ حولي، وبدأت الأصوات تهمس في أذني وسمعي. كان الأمر كما لو أنني شعرتُ بقدوم شيءٍ كهذا في المستقبل القريب، وكنتُ أستعد له!
لقد شعرت بأهميتي الشديدة، وبأنني مقدس، مثل رسول ونبي مضطهد ومطارد، شيء يعرف أهميته، وكأنني عظيم جدًا، وكأن العالم كله يدور حولي، وكنت متشككًا للغاية، ولم أكن في وضع يسمح لي بالوعي بما كان يحدث والتعامل معه، بل كنت منغمسًا فيه للغاية.
ومرت الأيام والأوقات، حتى صدمت وصدمت مرة أخرى، ومرت الأشهر والسنوات، من العلاج والتغييرات، من الحزن والأسى، من الانتقال والمغادرة، من زيادة الوعي، حتى أدركت أنني كنت ضحية مرض شرير للغاية، وأنني كنت لست في وضع يسمح لي بمواجهة هذا المرض بشكل آمن، من أجل الخلاص والنجاة.
في سبيل الأمان، أحرزتُ تقدمًا كبيرًا، ومن أجل الوعي والبقاء، حققتُ الكثير، وها أنا ذا هذه الأيام، أراجع الكثير من الأحداث التي مررتُ بها في مراحل حياتي، وقد أصبحتُ أكثر وعيًا ونضجًا، تجاه كل ما حدث ويحدث وما يمكن أن يحدث، ولم أعد ضحية سهلة لأي اضطراب أو مرض أو وهم، لم أعد ضعيفًا وغير ناضج، ولا أملك الوعي الكافي لمعرفة مجرى الأمور، لقد أصبحتُ أفضل في هذه الأوقات، أكثر من ذي قبل، وأعرف ما حدث وجاهز لما يحدث وسيحدث.
كنت أتلقى العلاج في المراحل المبكرة من مرض الفصام، وشُخِّصتُ باضطراب البارانويا، لم يحدث شيء خلال تلك المرحلة سوى ما ذكرته خلال المراحل المبكرة من الاضطراب. عشتُ فترة من الحياة الطبيعية لعدة سنوات، بفضل حقن موديكيت الشهرية.
عدتُ للعمل في العديد من الأعمال مع أصدقائي لكسب المال، وكان لدي العديد من الأصدقاء، وتمكنت أيضًا من الزواج. ومع ذلك، توقفتُ عن العلاج بالحقن منذ أكثر من تسع سنوات، واعتمدتُ على الأدوية المضادة للذهان، ومثبتات المزاج، ومضادات الاكتئاب، أعتقد أن الحقن منحتني علاجًا سحريًا جيدًا، لكنني كنت دائمًا متعبًا ومنهكًا، أفتقر إلى الطاقة والنشاط. لم أكن نشيطًا، لذلك توقفتُ عنها ولأسباب عديدة. الأدوية التي أتناولها توفر نوعًا من الشفاء غير المكتمل، لا يزال الكثير من المرض يطاردني في حياتي دون راحة أو علاج، وأنا أتكيف معه.
هذه إحدى مراحل وأنواع الفصام التي مررتُ بها في حياتي، وأوثّقها في العديد من كتاباتي الأخرى. أعتقد أنني أفتقر إلى علاج فعال يُعالج جميع أعراض الفصام، ولا يُمكنني الحصول عليه بأمان، الأدوية التي أتناولها في الاستعداد العلاجي رديئة وغير فعّالة إطلاقًا، لدرجة أنني لم أعد أرغب في خوض تجربة علاج جديدة. أصبحتُ منفرًا من كل هذه المحاولات الفاشلة، وهذا بسبب الأطباء السيئين الذين كانوا يُشرفون على علاجي، والذين يغفلون في كثير من الأحيان عن تقديم العلاج الأمثل لي، أنهم أطباء لعناء من السلطة الفلسطينية ومصحها العقلي سيء السمعة، أغبياء وسيئون!