
كانت العديد من مراحل الفصام التي مررتُ بها في حياتي صعبة للغاية، وفقدت السيطرة على نفسي مرات عديدة، مما تسبب لي بانهيارات عصبية متكررة، وعدم النوم لأيام طويلة، كان الضجيج الداخلي في رأسي شديدًا، والضجيج الخارجي زاد الوضع سوءًا، فكل الأصوات تُخلق المزيد من الأصوات الوهمية داخل رأسي.
وُجِّهت إليّ أصوات كثيرة، أصوات غير موجودةٍ أصلًا، وظلّت تُحدِّثني في كل مكان، كما لو كنتُ في غرفة تحقيقٍ أمنية، في غرفةٍ معزولة، وهناك منافذٌ صوتيةٌ تُحدِّثني من خلالها. كانت الأصواتُ تشكيلةً واسعةً من الشخصيات، نساءً ورجالًا وأطفالًا، والأسوأ من ذلك، أن الحيوانات كانت تُحدِّثني أيضًا، من الطيور إلى الكلاب، وكانت أشدُّ الأصواتِ حدةً تُؤلِّفُ أصواتًا غير طبيعية داخل رأسي، وأشدها ضجيجًا كان يزيد من ضجيج الأصوات في رأسي بشكل متكرر.
أحيانًا كنت أصرخ وأفقد أعصابي وأنهار أمام كل هذا الضجيج والأصوات التي تحدثني، كلما انهرت أمام هذا الضجيج المروع، لكن في الظروف العادية مع الأصوات الودودة والصحة النفسية الجيدة، لا يوجد ما يسبب لي أي إزعاج، وطالما بقيت مستقرًا عقليًا ونفسيًا وجسديًا. أتذكر أنه في مرحلة ما، لم أتمكن من المشي، كان الخوف في ساقي، وفي كل مكان في جسدي، كنت غارق في الصدمة، كنت خائف للغاية، كنت غافل تمامًا عن الواقع الطبيعي الذي يدور حولي، كنت أشعر وكأنني خارج جسدي، وفي بعض المراحل الأخرى كنت أخرج يوميًا، أمشي لساعات وساعات لمسافات طويلة، وفي بعض الأحيان كان من الجيد أن أشرب الكحول، والكحول في تلك المراحل جعل الوضع أسوأ بشكل غير طبيعي، وكانت هناك أيام لم أحصل فيها على قدر جيد من النوم.
خلال تلك المراحل التي مررت بها، كان معظمها بسبب عدم رضاي ونفوري من الأدوية النفسية التي كنت أتناولها، بما في ذلك مضادات الذهان ومضادات الاكتئاب ومثبتات المزاج. كنت مصممًا على عدم تناولها مجددًا مهما حدث، كنت أتوقف عن تناولها بشكل غير منتظم، مما فاقم أعراض الانسحاب وعودة المرض نفسه، وكان عقلي يرفض النوم بدونها، وكنت أصبر كثيرًا لأيام دون نوم، كنت آمل أن أعود وأن أنام بشكل طبيعي بدونها، كانت لدي هواجس بشأنها. لكنها في واقع الأمر قادرة على علاج كل حالات الفصام الشديد التي مررت بها، فهي تعيد الصفاء إلى ذهني، وتختفي كل الضوضاء والأصوات غير الحقيقية، وأسمع الأصوات بشكل طبيعي مرة أخرى، ويصبح نومي منتظمًا مرة أخرى، وأصبح مستقرًا وأكثر طبيعية مرة أخرى، مثل دواء مضادات الذهان الحالي الذي أتناوله دون أن أدرك ذلك، لا أشعر بأي من أعراضه، لكنني أشعر بمدى سحره في شفاء عقلي، وهو أحد الأدوية الجيدة التي أستمر في تناولها حتى يومنا هذا، رغم أنها لا تقدم علاج لبعض الأشياء المزعجة الأخرى، إلا أن فائدتها كبيرة.
كانت مراحل صعبة حقاً، هي بعض مراحل حياتي، كما في مراحل أخرى كثيرة أوثقها في كتاباتي، وأشير إلى أن أصوات الفصام معروفة لدي، والأصوات التي تأتي من أرواح منفصلة في كينونتها وحقيقية في وجودها، لا علاقة لها بالمرض العقلي، إذ تربطني صداقة دائمة مع بعض الأرواح المفكرة المنفصلة في ذاتها، والتي تهمس للعقل بالمنطق والكلام الطبيعي، وبصوت منخفض، أي أنها تتحدث بطريقة منطقية تدل على أنها حقيقية، لا تعود لفصام العقل، وهي حاضرة معي سواء بالدواء والعلاج أو بدون دواء وعلاج.
لا يمكنني إعادة تجربة تلك الحالات مرة أخرى، لدي مسؤوليات كثيرة، لدي ثلاثة أطفال في المنزل وزوجة، لا يمكنني إعادة تعريضهم لمثل هذه الحالات لجعلهم يشعرون بها، سيكون ذلك سيئًا لصحتهم النفسية، لرؤية والدهم بهذه الحالة، مع أنني أتمنى العودة إلى الجنون في ظروف مواتية، وإعادة تجربة بعض الجنون، مع اكتساب العديد من الخبرات السابقة، لربما سيكون الوضع أكثر أمنًا ومتعة!