غياب عن الواقع
تخيل نفسكَ تعيشُ في واقع خارجَ الواقعِ الذي أنتَ به، أنتَ تشعرُ بكلِ شيءٍ يحدثُ في الواقع الحقيقي والواقعِ الخيالي في آنٍ واحد، مثلاً أنتَ في مكانٍ مزدحم، من الطبيعيِ أن تستمع لأصوات الضجيج والناس في ذلكَ المكان، ولكن ما بالك أنكَ تستمع لأصوات وضجيج لا يسمعها أحدٌ غيرك، ناس وضجيج عالم شبه حقيقي خلق لك خصيصا، وأنت تدركُ وتتلقى هذا العالم، في كل مكان أنت محاطٌ بهذا العالم، وقد يلتبسُ عليك العالمين، حيثُ تخطئُ في مصدر التلقي، ومن أيِ عالمٍ هو؟ هل هو من العالم الواقعي الحقيقي؟ أم هو من العالم الآخر الذي أتلقاهُ دونما أن يشعرَ بهِ أحد؟ هذا ما عايشتهُ لفتراتٍ طويلةٍ من حياتي، ولكنها كانت فتراتٌ مؤقتة، ونهايات صادمة.
في طبيعة واقعٍ حياتي كلما كنتُ أتلقى عالم واقعٍ مختلفٍ عن الواقعِ الحقيقي، ولكن كانت تختلفُ طبيعةَ هذا التلقي، وحدتهُ في الغيابِ والالتباسِ عن الواقعِ الحقيقي. في أغلبِ أيامِ حياتي، وأنا أصطحبُ واقعٌ سريٌ وخفيٌ أتفاعل معهُ بجميعِ حالاتي، وكيفما يحلوا لي التفاعلُ معه، قد أتفاعلُ معهُ داخلَ عقلي فقط، وأبقيهُ صامت وسري، وقد اضطربَ وأجنّ، وأتفاعلُ معَ هذا العالم بشكل علني.
أحيانا يكونُ من الصادم والمؤسف والمحزن، الابتعادُ بشدة قويةٍ عن الواقع، قد يسببُ الانزعاجُ والأرقُ والانهيارُ العصبي، وقد يكونُ محتمل بصعوبة، فليسَ من السهلِ الغيابِ عن الواقعِ في بعضِ أشكاله، ففي بعضِ أشكالهِ يكونُ منْ أسوأِ أشكالِ الجنون، ولكنكَ تحتاجُ للصمودِ والنجاة، ومحاولةُ السيطرةِ على زمامِ الأمور، والبقاءُ هادئا، وعدمَ التسرع بالرؤية للتفاعلِ معَ الغيابِ عن الواقع.
يمكنك متابعة آخر كتاباتي على الفيسبوك من هنا
الذي كنتُ امتاز بهِ في غيابي عن الواقع، والتعاملُ معَ أشكالِ الواقعِ الخياليِ المختلفة، أنني كنتُ ذكيا جدا، ولدي حدس، ولدي قوة ملاحظة، تمكنني من التمييزِ بينَ التلقي في شدةِ الغيابِ عن الواقع، وكنتُ قويا جدا، ودائما ما أكونُ هادئا جدا، ولكنَ هذا لا يعني أنني كنتُ ناجحا دائما في التعاملِ معَ زمامِ الأمور.
كنتَ أفقدُ السيطرة لفتراتٍ كثيرةٍ في تعاملي معَ الغيابِ عن الواقع، كنت أهرولُ كالمجنون، أذهبُ هنا وهناك، وأعودُ هنا وهناك، ولا أعلمُ إلى أينَ أتجهُ ولماذا اتجهت إلى هنا أو هناك، ولم أكن بحركة عقلية طبيعية، حقا في بعضِ الأحيان، وكنتُ أنهار، وكنتُ أغضب، وكنتُ أثمل بشدة، وكنتُ أخاطرُ في حركتي العقلية، وتعرضت للعديدِ منْ الأخطار، لدرجةَ خطرِ فقدانِ حياتي.
ولكن كانت معي حمايةَ قدير، كانَ هناكَ شيءٌ يحرسني ويقومُ بحمايتي، على ما يبدو، كانَ هناكَ نجومٌ تتحركُ وتلمعُ معي في كلِ مكان، وكانَ هناكَ ذلكَ الصوت، في شدةِ جميعِ الأصوات، ذلكَ الصوتِ الذي يسعى لحمايتي، ويراقبَ حركتي العقلية المضطربة، ويسعى مرارا وتكرارا لتفاد أن أتعرضَ للأذى، وكانت هناكَ الطاقةَ الكونيةَ كأنها تتحركُ بمشيئةٍ تخضعُ لدائرةِ حركتي العقلية، أنا فقط.