×

الشك ونظريات المؤامرة: من ألم الطفولة إلى فصام الواقع

الشك ونظريات المؤامرة: من ألم الطفولة إلى فصام الواقع

لطالما شغلت نظريات المؤامرة حيزًا كبيرًا في حياتي، راودتني شكوك كثيرة تجاه الآخرين والبيئة، وشعرت وكأنني ضحية مؤامرة، وأن الناس يتآمرون لإيذائي. عشت طفولة قاسية، وتعرضت لتنمر الأطفال الآخرين كثيرًا، مما خلق لديّ ارتباكًا وألمًا وشعورًا بالضحية، وبأن هذا العالم قاسٍ وظالم، شعرتُ وكأنني لمست حياة النبي المضطهد طوال حياتي، كان الناس يؤذونني ويقفون في طريقي، لقد بُرمج العالم لنبذي واضطهادي وإيذائي منذ صغري، كان العديد من الأطفال الآخرين يغارون مني، ووقف أصحاب السلطة ضدي.

كنتُ متردد جدًا في الذهاب إلى المدرسة، وكنتُ دائمًا أتهرب منها، لم أكن أحبها، وواجهتُ الكثير من التنمر والألم والظلم فيها، كانت مدرسةً إسلامية، ولم أكن مهتمةً بالدراسة، ولم يعجبني فيها شيء، حجم الأذى الذي واجهته فيها دفعني إلى ذلك، في النهاية، لم أُكمل دراستي، وتركتها نهائيًا.

يمكنك متابعة آخر كتاباتي على الفيسبوك من خلال النقر هنا

في الشارع، كنت أحبه كثيرًا، وكنت أتوق للخروج يوميًا ولقاء الأصدقاء والتعرف على أشخاص جدد، لكنني واجهت نفس الإساءة التي أتعرض لها في كل مكان، كان الآخرون يتنمرون عليّ ويغارون مني، كما لو أنني أحمل وصمة لأُعامل بهذه الطريقة.

في مراهقتي، هربتُ من العالم أجمع، وعزلتُ نفسي تمامًا، وغرقتُ في فصام الشخصية، عشتُ في عالمي الخاص، وشعرتُ بالحزن، وبأنني ضحية، ورغبةً في الانتقام، وشعورًا بالمؤامرة، وأن شيئًا ما هو الذي تسبب لي بكل هذا. مرّ وقت طويل وأنا على هذه الحالة، أحمل معي حياتي القاسية، المتغلغلة في عقلي وروحي، حتى بدأتُ بحاجة إلى العلاج، من هناك، في مراهقتي، بدأت رحلة علاجي القاسية، بالأدوية النفسية التي لم تناسبني، بل سببت لي معاناةً، ولم أستطع التخلص منها حتى اليوم، حاولتُ كثيرًا إلقاء اللوم عليها، وأنها سيئةٌ عليّ، لكنني لم أنجح كثيرًا في الإقلاع عنها، في النهاية، أغرق في مرضٍ شديد، وأجد نفسي مُجبرًا على العودة إليها.

خلال تلك الأوقات في سنوات مراهقتي، واجهت أيضًا العديد من الشكوك حول المؤامرة، حتى الشكوك حول الأطباء الذين كانوا يعالجونني، والشكوك حول طبيعة الأدوية النفسية التي كنت أتناولها، والشكوك حول الجيران، بأن جيراني كانوا يمارسون السحر، والشكوك حول وجود أعمال تجري في الخفاء حولي لإيذائي، وأن هناك من يمارسون علي السحر، كانت هذه الفكرة تطاردني كثيرًا، لدرجة أنني لم أعد أجد الراحة والاستقرار، وبقيت في حالة من اليقظة والشك الدائمين. حتى انني أصريت على تغيير مكان المنزل الذي اقيم فيه، ولكن لم يتغير شيء بعد رحيلي مازال الشك يطاردني، ليومنا هذا، كلما أغرق في فصام، تعود لي هذه الأفكار على هيئات جديدة.

ربما بسبب طفولتي القاسية وتنمر الآخرين، تكوّنت هذه الروح معي، وترسّخت في روحي وعقلي، وأصبحت جزءًا مني. لا أدري إن كنتُ قد وُلدتُ مصابًا بالفصام أيضًا، أم أن السبب يكمن في طفولتي القاسية فحسب. لقد كانت طفولة قاسية جدًا مررتُ بها، وأثرت في كياني. ولعلها تحمل الجزء الأكبر من فصامي وأمراضي النفسية المختلفة.

على أي حال، بعد سنوات من هذا الوضع، بدأت أفكاري ونظرتي للعالم وحالتي النفسية والعقلية تتغير، أصبحت أكثر وعيًا ويقظة من ذي قبل، ولم أعد أعاني من هذه الأفكار في أغلب الأحيان، بدأت أتعلم التعامل مع العالم والأشياء الأخرى بشكل مختلف. لكنني أتساءل لماذا كان مصيري في هذه الحياة هكذا؟ لماذا واجهت طفولة قاسية كهذه، ولماذا مرضت هكذا؟ لماذا حياتي هكذا؟ ما السبب الحقيقي وراء مصيري؟ لم أكن السبب في كون حياتي هكذا، كنت طفلًا بريئًا مسالمًا، ملاكًا يتأمل، يشق طريقه نحو هذه الحياة، لماذا كان هؤلاء الأطفال بهذه الجنون ويؤذونني؟! كان كل شيء مهيأً لي لأواجه هذا المصير. هذا الشيء هيأ العالم كله لي! ولماذا حصلت على رفقة روحية، ولم أترك وحيدًا؟ لدي تجارب وشراكة روحية ليومنا هذا، السبب يبقى غير واضح ومجهول المصدر.

Loading

إذا كنت تحب ما أكتبه وترغب في دعم عملي، فيمكنك المساهمة من خلال النقر هنا

إرسال التعليق