
منذ ستة أشهر، أرتدي كمامة طبية كلما خرجت لشراء الكحول. أشعر بتوتر شديد عندما يحدق بي الآخرون، وأُحرك وجهي لا إراديًا. أبتسم، وأكاد أبكي، وأعض شفتيّ باستمرار، ويسيطر عليّ خوفٌ مُريع. ومع ذلك، كلما وصلتُ إلى وجهتي، أشرب الكثير من الكحول، فتُنقشع غمامة هذا البؤس عن كتفي. عندما أعود إلى المنزل، أخلع الكمامة الطبية، كما لو أن الكحول يُعطيني شفاءً. إنه بالفعل علاجٌ فعالٌ لشفاء مرضي تمامًا، ولكنه حلٌّ مؤقت.
لكن الغريب أن المرض لم يتركني وحدي، بل انتشر في أنحاء أخرى من جسدي. أجد صعوبة في المشي، وأشعر أيضًا وكأن المرض يتركز في عينيّ ونبرة صوتي. أحتاج إلى السعال لأنطق الكلمات بوضوح، كما لو كنت راديو معطلًا أو محركًا معطلًا. أحتاج إلى السعال نفسيًا لأرتب أموري النفسية، كما لو أن هذا المرض كائن حي، تجد طريقة للتخلص منه وتخفيفه في جزء، ثم ينتشر في جزء آخر!.
لم يُساعدني أي علاج على التخلص من هذا المرض. لسنوات عديدة، خضعتُ لعلاجات متعددة لدى متخصصين وأطباء نفسيين، لكن لم يُوفّق أيٌّ منهم في توفير العلاج المناسب لي. أتناول أدوية مضادة للذهان ومضادات اكتئاب ومُثبّتات للمزاج، دون أي تحسن يُذكر. أعتقد أنني بحاجة إلى جرعة من دواء الفصام تُناسب حالتي النفسية، لكن هؤلاء الحمقى لا يُقدّمون لك حلولاً علاجية مناسبة.
يمكنك متابعة آخر كتاباتي على الفيسبوك من خلال النقر هنا
على أي حال، لقد سئمت من محاولة العلاج، ولا أرغب في الخضوع لعلاج جديد. أتعايش مع المرض، وبالكاد أستطيع تحمل تناول هذه الأدوية اللعينة. أشرب الكحول أسبوعيًا، وأبقى في المنزل وأخرج مرة واحدة لشراء الكحول. حياتي كلها تحت سيطرة المرض. لا حياة لي بدون هوية هذا المرض ومتطلباته. أعمل أيضًا في مجال الحاسوب، وفي وظائف مختلفة من هذا النوع، خاصةً لأنه العمل الوحيد الذي أستطيع القيام به في حياتي. لا أستطيع العمل في العالم الحقيقي مع متطلبات التواصل الاجتماعي.
لا يهمني الأمر، وكل هذه الأمور بدت تافهة، ولم يبقَ لي ما أفعله. لقد رسّخ المرض في ذهني، فهو جزء كبير من حياتي، وقد سكنني طويلًا. علاجه صعب، وأعطيت محاولات عديدة لعلاجي، لكنني لم أنجح. لقد سئمت من المحاولة، ولم أعد أرغب في المحاولة. أعيش حياتي وفقًا لذلك، وأستمتع بوقتي قدر الإمكان.
بالعودة إلى الكمامة الطبية، أشعر برغبة في ارتداء أقنعة كاملة أخرى، وأشعر أنني بحاجة أيضًا إلى نظارات شمسية داكنة، لكن الكمامة الطبية هي الوحيدة المقبولة وغير اللافتة في هذا المجتمع البربري المتخلف. لو كنت في أوروبا أو إسرائيل، لارتديتها دون اكتراث، لأن هذا مجتمع متخلف للغاية ومنحط فكريًا، يركز على أتفه الأمور المتعلقة بالملابس، ولا توجد فيه أي خصوصية، يتحدثون ويراقبون تصرفات الآخرين. لكن حتى الكمامة الطبية تبقى محل نظر، بالكاد أجد شخص في الاكتظاظ البشري يرتدي كمامة مثلي في هذا الوقت. وأن السبب نفسي فقط. لكن لا يهمني الآراء أرتديه لأنها في الخروج أكثر راحة بالنسبة لي.
كيف يُعقل في هذا العالم، وفي ظل هذا التطور البشري الهائل ومجالات العلاج النفسي، أن يعجز هؤلاء الأطباء الفلسطينيون المتخلفون، الذين امسكوني عشرات المرات، عن علاجي؟ أليسوا أغبياء ومخطئين؟! لقد امسكوني عشرات المرات، وسُجنتُ في مستشفياتهم مرات عديدة، ولم يتمكنوا من تقديم العلاج المناسب لي.
على كل حال هذا ما وصلت إليه في مصير حياتي، وبدأت لا أهتم ولا أبالي، أعيش حسب طاقتي وحسب طوارئ حالتي النفسية، لا أكثر.