جنون الذروة: مذكرات العودة المشوّقة إلى حرية الفصام
مررت بفترات متقطعة من الفصام، اتسمت بروح من الهذيان والمغامرة وحب الحياة. كنتُ أتوق إلى الاستمرار في الحركة ذهابًا وإيابًا، متمتعًا بشغف لا حدود له بالحياة. كنتُ أرغب في الخروج كل يوم، وكان عليّ دائمًا أن أحمل معي وقودي، لم تكن زجاجة الخمر تترك يدي طوال اليوم، لم أكن أستطع الخروج بدونها، وكانت تفاقم ميولي الفصامية. كنتُ أغادر باكرًا في الصباح وأعود في وقتٍ متأخر من الليل، في وسط يوم مليء بالمغامرات الجريئة، ومغازلة الفتيات، والرغبة الجنسية الجامحة التي كانت لدي، وكذلك الهستيريا والرقص في الشوارع، شعرت بسعادة مطلقة، وذهني غائب تمامًا، وغير منتبه، لكنني كنت أستمتع بتلك اللحظات، وفعلت العديد من الأشياء التي أخجل من القيام بها هذه الأيام.
كانت تلك اللحظات غير مستقرة وخطيرة، ومدتها تُسبب ضيقًا لمن حولي، ومكلفة ماليًا، إذ كنتُ أحتاج إلى الكثير من المال يوميًا. لم يكن يمر يوم دون رغبتي في الخروج وشرب الخمر، وكنتُ في النهاية أُسبب ضجة تُنبه الآخرين إلى حالتي النفسية، مما يؤدي في النهاية إلى دخولي مستشفى للأمراض العقلية. خلال تلك الأوقات، كنتُ أتوقف عن تناول أدويتي النفسية، فأعاني إما من أعراض انسحاب أولية أو انتكاسة إلى الفصام الأولي.
يمكنك متابعة آخر كتاباتي على الفيسبوك من خلال النقر هنا
رغم قسوة تلك المواقف التي مررتُ بها، وخطورتها البالغة على سلامتي الشخصية وسلامة الآخرين، ورغم الضجة التي أحدثتها، لا أنكر أنني أتوق للعودة إليها بشوقٍ رقيقٍ في قلبي وروحي. أعشق الجنون واستعادة طبيعتي بعيدًا عن الأدوية النفسية. أحببتُ جوانب كثيرة من تلك الروح التي أمتلكها.
مرّ عامان تقريبًا منذ آخر مرة دخلتُ فيها تلك الحالة. كان آخر خروج لي من مستشفى الأمراض العقلية آنذاك، وخرجتُ منه وأنا أعاني من صدمة نفسية. أعطوني أدويةً فاسدة زادت وزني وأفقدتني جوانب كثيرة من شخصيتي. بعد أسابيع قليلة من خروجي، توقفتُ تلقائيًا عن تناول معظم الأدوية السيئة التي وصفوها لي، واعتمدتُ على نفسي في علاجات قديمة كنتُ أعرفها وجربتها. استقرت حالتي منذ ذلك الحين، وبدأتُ باتباع حمية غذائية وخسرتُ كل الوزن الزائد الذي اكتسبته، وما زلتُ أفقد الكثير من وزني.
أستمتع أسبوعيًا بلحظات من المتعة الآمنة. كل أسبوع، أقضي بضع ليالٍ صاخبة من السُكر، وأستمتع بوقتي بأمان. لا شيء ينذر بانعدام الأمان في شربي. أستمتع بوقتي وأحافظ على هدوئي وأماني. لم أعد أخرج للشرب في الشوارع والأزقة. أكتفي بشرب الكحول في جو منزلي صاخب. لم أعد أجد المكان المناسب للخروج، فكل شيء مغلق ومحظور بسبب الحرب، إلا أنني أفتقد الثمالة المجنونة.
في الواقع، أنا قلقٌ وخائفٌ من التوقف عن تناول الدواء مجددًا. الأمر ليس سهلًا. في الواقع، أنا لا أتناول جرعاتٍ كافيةً أو كبيرةً؛ أتناولها قبل النوم فقط لأحظى بنومٍ هانئ، لا أكثر، فأنا لا أستطيع أن أكون بخير دون نوم، ولا أستطيع مواجهة يومي، وقد أستمع لأصوات، وقد تختلط علي الأصوات الطبيعية ايضًا، ولا يمكنني الثبات، وقد أكون عصبيًا. لكن رغم أنني لا أتناولها إلا قبل النوم في جرعات قليلة إلا أنها تُساعدني على البقاء مستقر وطبيعي طوال اليوم، كل يوم. إذا توقفتُ عن تناولها، فقد لا أتمكن من الحفاظ على هذا الاستقرار، وليس لديّ المال الكافي، ولا الظروف المناسبة للحرية، وايضًا لدي منزل وعائلة يحتجونني أن أبقى جيد، فأنا أخشى عليهم أكثر مما أخشى على نفسي بالطبع، ولا أريد أن أتسبب لهم بأي أذى أو ظروف جحيمية دون وعي.
في الماضي، كنت أعيش وحدي معظم الوقت، لأن عائلتي القديمة كانت مشتتة، ولم يكن هناك من يضغط عليّ لأكون بخير دائمًا، لذلك لم أتردد في التوقف عن تناول الأدوية كثيرًا وعيش لحظاتي المجنونة. في كثير من الأحيان، كنت أتوقف وأعيش لحظاتي بنهايات صادمة. ربما عليّ أن أجرب ذلك مرة أخرى؟ أشعر بالحنين حقًا. هناك إيقاع رقيق في قلبي وروحي يتطلب ذلك! هناك خطأ في هذه الأدوية اللعينة، الشعور بالسعادة والمتعة والحب والحرية أي المشاعر الطبيعية دونها مفقودة لدي، هناك شعور رائع رغم قسوة الحالات في الإقلاع عنها.
![]()



إرسال التعليق