
أنا ملحد، هي عبارة تبدو بسيطة، لكنها تحمل في طياتها الكثير من المعاني بالنسبة لي. إنها تعبير عن رحلة فكرية طويلة، بدأت بالتساؤل وانتهت باليقين. أن أكون ملحدًا لا يعني أنني بلا قيم أو أخلاق. بالعكس، أنا أؤمن بأهمية العيش بسلام ومحبة مع الآخرين، وباحترام الطبيعة والحياة.
لماذا أكون ملحدًا؟ لأنني أرفض أن أؤمن بشيء لم أره ولم ألمسه. لأنني أريد أن أكون حرا في تفكيري، وأن لا أقتصر على معتقدات ورثتها عن أجدادي.
في هذا المقال سنخوض في رحلة فكرية طويلة، وسنغوص في أعماق فكري الإلحادي، بدءًا من التساؤل والشك في طفولتي، إلى نمو فكري، وشجرتي المعرفية، وتعميق انتمائي الإلحادي، إلى اليقين. سنتحدث عن وجود الله والإيمان، ولماذا أرفض الأديان، وعن تجربتي الروحية والإلحاد.
يمكنك متابعة آخر كتاباتي على الفيسبوك من خلال النقر هنا
الطفولة وبداية طريقي للإلحاد
منذ طفولتي لم أكن كغيري من الأطفال، كنت أفكر دائمًا في الأشياء من حولي، وأتساءل عن طبيعة الأشياء والأحداث التي أمر بها، كنت أتساءل عن وجود الله، وأفكر في الوجود وهذا الكون الواسع من حولي، وكلما تساءلت أين الله وهل هو موجود، كنت أفكر في وجوده دوماً.
عائلتي كانت عائلة مسلمة، وليست عائلة متشددة، ولم تكن تهتم بالدين كثيراً، وكنت يتيماً، مما جعل والدتي ترسلني إلى مدرسة إسلامية خاصة في ذلك الوقت، وكانت مدرسة ذات طابع إسلامي متشدد.
لم يعجبني في تلك المدرسة شيء، لا المعلمين الشيوخ، ولا الطابع الإسلامي لتلك المدرسة، ولا حصة الدين الإسلامي، ولا حصة تلاوة وتحفيظ القرآن، ولا أحببت الفتيات والنساء اللاتي يرتدين الحجاب، وبعضهن يرتدين النقاب، وفي شهر رمضان كنت أرفض الصيام، ولم أقتنع بأهمية الصيام.
لم أكن مسلماً مثل الآخرين، كنت مختلفاً حتى عندما كنت طفلاً صغيراً جداً، لم أكن مقتنعاً بوجود الله، وكلما سألت أسئلة عن حقيقة وجود هذا الإله، وشككت في مصداقية الدين الإسلامي.
ومن هناك، مهدت الطريق للإلحاد، قبل أن أنضج فكرياً وتنمو شجرتي المعرفية. وعندما بدأت أكبر في سنوات المراهقة، بدأت أقرأ الكتب وأشاهد الأفلام الوثائقية التي تتحدث عن الوجود، وأصل الكون، وقضية الله والدين، وتاريخ الوجود الإنساني.
بدأت في ترسيخ رؤيتي الإلحادية في سنوات المراهقة، وبدأت أتأكد من أنني على الطريق الصحيح، فبدأت أتصفح الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وشبكات الدردشة، وأبحث عن آخرين لديهم أفكار مماثلة لأفكاري، وأيضًا عن أولئك الذين يعارضون أفكاري، وبدأت أشاركهم أفكاري.
ومنذ ذلك الحين، في سنوات المراهقة، بدأت أعتبر نفسي ملحدًا حقيقيًا، واستمريت في مسيرتي على هذا النحو.
الإيمان لا يكفي لوجود الله
يدعي الكثير من المؤمنون، أن الإيمان هو دليل على وجود الله، ومن أصحاب هذا الرأي، أصحاب الاعتقاد الفطري، الذين يرون أن الإيمان بالله هو فطرة موجودة في الإنسان منذ خلقه، وأن هذا الإيمان هو الذي يدفعه إلى البحث عن الدليل والتأكد من وجود الله. ويعتبرون أن الأدلة على وجود الله تأتي لتؤكد ما هو موجود أصلاً في القلب، وليقوي الإيمان وليجيب عن الأسئلة التي قد تطرح.
ويرى أصحاب رأي الإيمان نتيجة العقل، أن الإيمان بالله يأتي نتيجة للتفكر والتدبر في الكون، ووجود الأدلة والبراهين على وجود خالق عظيم. ويعتبرون أن الإيمان هو قرار شخصي يتخذه الإنسان بعد أن يطلع على الأدلة المتاحة، ويقارن بينها وبين الشكوك والاعتراضات.
وهذه كلها محاولات يائسة لقلب القضية رأسا على عقب، فليس هناك دليل على كل هذه الأراء، وليس هناك دليل حقيقي أن الإيمان بالله فطري، بل بالعكس قد تكون الفطرة السليمة هي التشكيك بوجود الله أو آلهة، وتدعي الشخص للإلحاد في النهاية، لأنه كلما يحاول البحث عن دليل ملموس لوجود الله أو الأتصال به لا يستطيع ذلك.
وهذا لا يثبت أي حقيقة لقضية وجود الله، ولا يؤكد أي حقيقة لمصداقية الديانات، فهذا الأراء ليست أكثر من هراء ومحاولات يائسة من المؤمنون. وأية فطرة لا يستطيع العقل أو الله نفسه إثباتها، فالعقل ليس قادرٌ على إثبات وجود الله بشكل قاطع، ولا الله نفسه قادر على إثبات وجوده.
والتفكر والتدبر في الكون، وانتظام هذا الكون وقوانينه وعظمته، وأنه لا بد من وجود قوى عظيمة خلف هذه العظمة، التي تسبب صدمة الذهول، لا يعني أن أفترض وجود الله وابتعد في خيال عقلي المحدود بخصوص هذا الإله، ومع عدم وجود أي أدلة متاحة، لوجود هذا الإله، سواء كان موجودًا أو لم يكن موجودًا، فهذا لا يهم، ولست بحاجة لكل هذا العناء لشيء يفوق حدود قدرة عقلي، أن كان موجودًا ليعرف بنفسه.
وإذا كان الإيمان فطرة واحدة، فكيف نفسر تعدد الأديان والمعتقدات حول الله، إذا لا وجود حقيقي لمعرفة وجود الله بهذه الفطرة، ولا وجود لأي أدلة عقلية مقبولة لوجود الله من عدمه.
الحجة الكونية ووجود الله
الحجة الكونية هي إحدى الحجج الفلسفية التي تسعى لإثبات وجود خالق للكون. تستند هذه الحجة إلى ملاحظة أن الكون له بداية، وأن كل شيء له بداية لابد وأن يكون له سبب. وبالتالي، فإن الكون الذي له بداية لابد وأن يكون له سبب، وهذا السبب هو ما يُطلق عليه اسم “الله” أو “الخالق”.
ومن أساسيات الحجة الكونية، تقول أن كل شيء له سبب، وإن لا شيء يأتي من العدم. كل ما هو موجود الآن لابد وأن يكون له سبب أو مسبب. وتشير إلى بداية الكون، حيث تشير العديد من النظريات العلمية، مثل نظرية الانفجار العظيم، إلى أن الكون له بداية زمنية. وإذا كان الكون له بداية، فإن سلسلة الأسباب لا يمكن أن تكون لانهائية. يجب أن يكون هناك سبب أول، وهو ما يُعرف بالخالق.
ومن أنواع الحجة الكونية، الحجة الكونية الكلاسيكية، ترتكز على فكرة أن كل شيء متحرك لابد وأن يكون له محرك، وأن سلسلة الحركة لا يمكن أن تكون لانهائية. والحجة الكونية الحديثة، تستند إلى نظرية الانفجار العظيم، وتعتبر أن هذا الانفجار الكبير يحتاج إلى مسبب أول.
لا يهم أن كان هناك لكل شيء سبب، وأن كان كل موجود لابد وأن يكون له سبب أو مسبب. الذي يهم ما هو ذلك السبب، وعلى أي أساس أن يكون السبب شيء يشبه شيء كـ”الله”، قد يكون السبب شيء ما مجهول، وليس بالضرورة أن يكون السبب كيان يدعوني للإيمان بوجود الله بصفات معينة، ونشر الأساطير والخرافات حول طبيعة ذلك الإله.
وفرضية وجود السبب لا تعني أن أؤمن بالأديان وأفترض وجود الله بصفات معينة، فهذه تبقى قضية غيبية مجهولة، وغير معروفة لأحد، ولا تعتبر دليل على أن السبب هو الله الموجود في الأديان.
وليس هناك أي داعي للتفكير في هذا السبب، ما دمت عاجزا عن فهم طبيعة هذا السبب، وأن كان هناك سبب يدعوني لمعرفته، فليعلن عن نفسه صراحة، ويعرفني على نفسه، لأنني عاجز عن معرفته، ولا يمكنني أن أبني الأوهام والأمال، وأنشر وأدعوا الأخرين للإيمان بالأكاذيب، على شيء مجهول وغير معروف بالنسبة لي. فلهذا هذه الحجة لا تقدم شيء لصالح وجود الله من عدمه، وليست ذات أهمية.
لماذا أرفض الأديان؟
الشيء الذي يجب أن نتبعه هو الحقيقة، كما يقبلها عقلك، ويزودك بالأدلة التي تؤكد صحة ما تعتنقه وتنتمي إليه، وكل الأديان بعيدة عن الأدلة المنطقية والعقلانية، ولا تقدم ادعاءات مدعمة بأدلة، بل تدعوك إلى الإيمان بالقلب، وتحاول التأثير والتلاعب بمشاعرك العاطفية، بناءً على قضايا غيبية مجهولة، لا أحد يعرف حقيقتها، تبقى قضايا غامضة ومجهولة بالنسبة لنا نحن البشر، ولا توجد طريقة لتأكيدها ومعرفة حقيقتها.
شخص أو أشخاص يزعمون أنهم أنبياء ويتلقون الوحي من قوى عليا، مفتاح الغيب والمجهول، أو من كائن يسمى “الله”، خالق الكون والبشرية، ويقدمون لك كتابًا مليئًا بالأساطير والحكايات الكثيرة والادعاءات، ولا شيء غير ذلك.
يزعم البعض أن هؤلاء الأنبياء في عصرهم كانوا مؤيدين بالمعجزات، ويزعم البعض أن هذه الكتب المقدسة تحتوي على جوانب إعجازية، ولم يشهد أحد معجزات هؤلاء الأنبياء، وفي الحقيقة لا يوجد جانب إعجازي في كتبهم، بل تحتوي على الكثير من الأخطاء والتناقضات، مجرد كتب مليئة بالأخطاء والأساطير والحكايات والادعاءات، لذلك أنا ملتزم بالإلحاد ورفض كل هذه الأديان.
إذا كان هناك كائن يسمى “الله” مسئول عن أمور الغيب والخلق، فهو يملك وسائل بسيطة عديدة للتعريف بنفسه، ولا يحتاج إلى كل هذا التعقيد الذي تقدمه لنا الأديان والكتب المقدسة، ولكنه يرفض التعريف بنفسه، ويصر على حاجته إلى وسطاء، أي أنبياء ورسل، وهذا يؤكد لنا أن الأنبياء والرسل مجرد مدعيين كاذبين، وأن الكتب المقدسة ليست أكثر من كتب بشرية.
إن عدم ظهور الله علناً في أي صورة أخرى أوضح لنا نحن البشر يؤكد أنه غير موجود حقاً، وبالتالي فلا حاجة للإيمان به، ولا حاجة للإيمان وتصديق هؤلاء الأنبياء والرسل والكتب المقدسة.
تجربتي الروحية والإلحاد
التجربة الروحية التي خضتها في حياتي، وما زلت أخوضها، في فصام العقل والروح، تجربة شخصية مع الأبعاد والكائنات الخفية، كائنات أعلى من حدود قدرات العقل البشري، جعلتني أتسأل هل أنا أتصل بكيان الله؟. بدئت أنفصم وأفقد صلتي الأنتمائية، بدئت روحي توجه نداء واجبا.
كان هناك مرض، وفصام، وخروج عن الواقع، كان هناك ضياعًا، كان هناك ذهولاً، كان هناك ألم، كان هناك خوف. بدأت أشعر بالرغبة بالصلاة الروحية، أحتاج إلى راعً، منقذ. وعمر سنوات وسنوات طويلة، وأنا داخل هذه التجربة الروحية، في أبعاد العالم الخفية، مع كائنات تفوق إدراك عقلي الطبيعية. أنا في العالم الواقعي وهناك عالم اصطحبه معي، طوال الوقت، أحياناً أرغبه أن يغادر، وأحياناً أخرى لا أستطيع تصور فقدانه، في البداية أضطربت وبعدها أعتدت.
من خلال هذه التجربة الروحية، أكتشفت الكثير من الحقائق وعالم الروح، وأكتشفت جذور روحي، وتعلمت كيف أحافظ على توازن روحي وعقلي وأن يكونان بسلام على الدوام. وتعلمت أن أكون قوياً وشجاعاً، وأن لا أسمح للخوف بأن يسيطر عليّ.
ولكن هل هذه التجربة الروحية، أفقدتني الصلة بالإلحاد، بالطبع لم تستطع أن تفقدني الصلة، ولم تخبرني هذه التجربة أن الله موجود، ولم تخبرني بالحقيقة المطلقة، فالكثير من التفسيرات يقدمها عقلي تجاه هذه التجربة وتجاه هذا العالم، قد يكونون الكثير من الأشياء الأخرى، ولا علاقة لهم بكيان يدعى بـ “الله”، وليس بالضرورة أن يكونون على علاقة في العوالم العليا المجهولة.
وهم مجرد كائنات في أبعاد خفية في هذا الكوكب، حتى لو كان ملكوتهم أعلى من ملكوت البشر، هم محدودين في القضايا الغيبية العليا، ولا يعلمون حقيقة مطلقة.
ومن خلال هذه التجربة الروحية لم أغير رؤيتي، فأنا إنسان فلسفتي الأولى إلحادية بحتة. وأعارض الأيمان الغيبي وأعارض الأيمان بلا دليل ملموس وتجربة وملاحظة، وأعارض أن أؤمن بوجود خالق لمجرد إيمان وحدس وتكهنات لما وراء القضايا الغيبية المجهولة، ولا وجود لتجربة روحية تعرفك على ذلك الكيان المدعو بـ “الله”.